رسالة إلى الصائمين تأملت في حديث قد رواه ابن ماجه
تأملت في حديث قد رواه ابن ماجه بسند صحيح -كما قال الألباني- عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخِر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأْنِ لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه الحديث، فقال: من أي ذلك تعجبون ؟ فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد، ودخل هذا الآخِر الجنةَ قبله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: (فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)
حينها قلت في نفسي: واااااااعجباً لمدركه!!
فبينما نحن نتخبط في دهاليز دنيانا.. وتضايقنا مشاغلنا.. نحاول أن نتنفس الصعداء... وبينما نحاول ونكابد.. فإذا بضيف حلّ بساحتنا، ضيف طالما انتظرته القلوب المؤمنة، وتشوّقت لبلوغه النفوس الزاكية، وتأهّبت له الهمم العالية..
فمرحباً بك ضيفنا تستحث النفوس.. لتحرك قلباً إلى ذي العرش فتتعالى روحه عن ركام دنيا فانية..
تأملت في مدركيه وأنا أقرأ (إن سعيكم لشتى)، فإذا هم صنفان:
مدرك فطن ومدرك مغفل..
اما المدرك الفطن فقد جعل قلبه أسرع القلوب في هذا السباق، فإذا به قبل أن يبدأ السباق قد ضبط ساعته، وحرص على وقته، لعلمه أن الدقيقة في هذا السباق لها ثمن بل الثانية، فكل لحظة يعيشها هي أمل في الفوز، ولفطنته بأنه ربما يخسر السباق بفارق ثانية واحدة فلن يضيعها فيندم يوم لا ينفع الندم.. (يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) إبراهيم، 44.
وفي المقابل كان هناك الصنف الثاني:
المدرك المغفل: الذي لم يأبه برمضان، فلم يفقه عظمته.. اعتادت نفسه على أن يكون دخوله وخروجه سواء.. لم يكلف نفسه أن يقرأ نصاً أو يحضر محاضرة ليشحذ همته لشهر القمة..
دخل عليه رمضان وهو مستعد أن يخرج يومياً للتسوق وقضاء متطلبات سفرته الرمضانية.. استعداداً للاجتماعات العائلية الرمضانية بزعم أنها: صلة رحم.. فلم يتذكر صلة الرحم إلا في هذا الشهر.. اضاف لذلك الاجتماعات مع الأصدقاء والسهرات الليلية على مواد قد برع في إعدادها لهم فرق عمل دولية متكاملة بقيادة شيطانية.. وجنود قد سخروا أنفسهم لإضحاك صاحبنا التبعي الذي قد فتح فاه استعداداً لاستقبال تلك الدروس.. وعرض نفسه لقطاع الطرق وسراق الحسنات..
كان شحيحاً حينما دخل ضيفه.. فأمسك عن نفسه فعل الخيرات.. وجحد حق نفسه وضيفه..
ويُخشى أن يكون ممن كره الله انبعاثهم فثبطهم..
دخل عليه الشهر ومر كبقية الشهور باستثناء تلك الكيلو جرامات الزائدة بوزنه..
وحسبنا أن نذكره.. كم في المقابر ممن يغبطك على إدراكك رمضان!!
يتمنون!! ركعة.. دمعة.. ختمة..
لعلك أن تفيق وتبادر.. فأنت في الأمنية!! و (كل نفس بما كسبت رهينة) وربما هذا آخر رمضان تدركه..
فكن فطناً واجعل من رمضان هذا العام شيئاً مختلفاً.. اجعله نقطة انطلاقة للتغيير نحو الأفضل..
فلا وقوف فيه.. بل هي الحركة إما إلى الأمام أو إلى الوراء (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر)
إلى هنا نقف ونقول: لكل من أدرك رمضان..
هذه الجنة قد فتحت أبوابها بين يديك
والحور تهتف في الأسحار تهيم شوقاً إليك
ورحمات ربك المنزلة تعرض نفسها عليك
فأظهر لله من نفسك قوة..
جدَّ في غيظ عدوك الذي أخرج أبويك من الجنة..
اصدق مع الله ولو مرة وسترى العجب..